بسم الله الرحمن الرحيم وصلي اللهم على خير خلقك محمد وآله وسلم
إن هنالك بعض المظاهر الغريبة في حياتنا اليومية، وهذه المظاهر لا تخضع للحواس، ولا يمكن إنكار حقيقة هذه الأمور.. فعندما ينام الإنسان يرى بعض الصور الغريبة: المبشرة، والمنذرة، وبعض الصور التي لا معنى لها.. فمثلا: يرى بعض الصور تثير غضبه، وتثير شهوته، كما يرى في عالم اليقظة بعض الأمور التي لا يمكن أن ننفيها.. ونحن نعلم أنه عندما جاء الملك إلى مريم عليها السلام -وهي ليست لا من الأنبياء ولا من الأوصياء- تمثل لها بشرا سويا، هذا الملك رسول ربها، تمثل لها على شكل بشر.. فإذن، إن الوجود الملكي، الذي لا يخضع لقوانين المادة، قد تمت رؤيته على شكل مثال مادى! .. فالملك موجود فوق عناصر الطبيعة المادية، ولهذا في ليالي القدر لا نرى ملائكة، ولو كانت مادة لرأيناها.. ولكن الله عز وجل أذن للملك أن يتمثل على شكل بشر مادي، يحدث مريم ويتكلم معها.. وقد يتمثل على شكل رائحة طيبة، أو نور يخطف الأبصار.. فنحن لسنا في مقام تصديق كل ما يقال في هذا المجال، لأن هنالك وهما، وإدعاء، وكذبا.. وهنالك صدقا، كقصة مريم.
فما هو الموقف تجاه هذه الأمور الغريبة؟!..
أولا: إن المؤمن أو العاقل، إذا أراد أن يثبت، يثبت بدليل.. وإذا أراد أن ينفي، أيضا ينفي بدليل.. ففي عالم القضاء إن البينة عن المدعي، واليمين على من أنكر.. ولكن في عالم المعاني والبراهين، فإن الطرفين مطالبان بالدليل.. فلا نكتفي بالقسم مثلا في عالم الأفكار.. فالمثبت لا بد من أن يأتي بدليل، والنافي أيضا كذلك.. وهذه الكلمة معروفة عن شيخ الفلاسفة، أو من أحد شيوخ الفلاسفة ابن سينا، حيث يقول -ما مضمونه-: كلما قرع سمعك من العجائب، فذره في بقعة الإمكان، حتى يذودك عنه قاطع البرهان.. فإذن، إن المؤمن لا يلتفت إلى هذه الأمور، فرب العالمين من الممكن أن يفتح عليه بابا من هذه الأبواب إكراما له.. ولكنه في الوقت نفسه، لا يرى هذه الأمور أهدافا يسعى إليها.. فهذه آثار، وهذه نتائج ومشجعات.. ولكن المؤمن لا يشغل نفسه بذلك.
إن هذه الأيام يكثر السؤال عن تفسير منام أو ما شابه.. والكلام نفس الكلام، فالمنام بما هو هو لا حجية له، ولا يمكن الفرح بمنام جميل، كما لا يمكن الحزن بمنام قبيح.. فالإنسان يستأنس بهذا، ويحذر من هذا.. أما إنه يبني عليه بناء، فهذا مما ينهى عنه الدين بشدة.. والبعض الذي يتخرص في تأويل الأحلام بقراءة كتاب أو كتابين، فهذا إنسان متوهم، ولا ينبغي الركون إليه.. حيث أن تعبير الرؤى كرامة إلهية، أعطيت أمثال يوسف، إذ علمه من تأويل الأحاديث.. وأما ان يأتي كل من هبّ ودبّ ليدعي ذلك، فهذا أمر مرفوض .
وعليه، فإن على المؤمن إذا رأى مناما مزعجا، أن يدفع صدقة، ويسأل الله تعالى أن يكفيه شر ذلك المنام.. وقبل النوم عليه بما ورد في الكتاب والسنة، كأن يذكر ربه في هذه الساعة، من خلال قراءة آخر سورة الكهف مثلا.. ومن تسبيحات الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.. ومن قراءة المعوذات.. فهذا سبيل من سبل تصفية المنامات.. وأما أن يعول عليها، فليس هذا من منطق الدين أبدا، إلا اللهم إذا وجدت قرائن أخرى، تدل على صدق ذلك المنام.
اللهم بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها صلي على محمد وعجل لوليك الفرج